[b]الوقفةُ السادسةُ : مع سفكةِ دماءِ المسلمين .. ولستُ بواقفٍ مع الآمرِ بل المأمورِ ؛ أعني مَن تربَّى في المساجِدِ وحفظ كتاب الله ، ثمَّ انقلبَ إلى قصفِ المساجدِ وقتالِ حفظةِ كتابِ اللهِ! من حضر مجالسَ العِلمِ ، ثمَّ انقلبَ يقاتِلُ أهلَ العِلم .. مَن كان إرهابيًّا يقاتِلُ اليهودَ ويخشاه الأمريكان ثمَّ انقلبَ جنديًّا من جند الحربِ على الإرهابِ .. يقاتلُ من يعيقُ قيامَ دولةٍ لحِزبِه يرضى –بظنِّه- عنها الأمريكان ، ويتعاون معها الطواغيتُ .. "الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة .. فإن العزة لله جميعا" ..
لستُ بما في قلبك بعليم ، ولكنَّ الله به عليم ، وأنتَ لا شكَّ تعلمُه .. أطاعةً للهِ تقاتلُ إخوانكَ وتطارُدهم وتؤذيهم أم لطاعةً كبراءِ جماعتِك؟ أنصرةً لدينِ اللهِ خرجتَ تقاتلُ مَن يسمِّيهم صحبُك في مجالسِهم "بالتلفية" و"التكفيريين" أم نصرةً لحزبِك؟
لستُ أدعوكَ هنا إلى شيءٍ ، إلا إلى التأمَّلِ في قلبك ، والنظرِ في نفسِك ، وتذكُّرِ نشأتِك في هذه الجماعة : أأرضعوكَ ناشئًا الولاءَ والعصبيةَ للمسلمين أم للإخوانِ المسلمين؟ أغرسوا في نفسِك تعظيمَ أوامرِ اللهِ وطاعتَه أم تعظيمَ أمرِ المسؤولِ وطاعتَه؟
وإنِّي سائلك : أعندكَ فيما سفكتَ برهانٌ تطمئنُّ إليه نفسُك ، وترجو أنَّه يومَ القيامةِ عذرُك؟
أدعوكَ وأنا لك ناصح : أن تنظرَ فيما فعلتَ متجرِّدًا مِن الهوى ومن الولاءِ لكلِّ ندٍّ لله إلا ولاءً خالصًا لله ، وأن تطَّلِعَ على كلامِ مَن سفكتَ دماءًهم سمعًا للقومِ وطاعةً وهو منشورٌ في الشبكةِ بالبياناتِ والخُطَبِ : أبان كما نقلَه كبراءُ قادتِك لك (تكفير لك وللمسلمين) أم تبيَّن لك زيفُه ، وأنَّك سفكتَ دم عالمٍ ومجاهدين بما ليس فيهم؟
اعلم أنَّك تبعثُ وحدَك ، وتحاسَبُ وحدَك لا يجيبُ عنك مرشدُك ؛ فتجازى على عملِك ، ولا ينفعُك عِندَ اللهِ عُذرًا فيما فعلتَ قولُك "ربنا إنا أطعنا سادتَنا وكبراءنا" .. والعاقلُ مَن تدبَّرَ حالَه ، وعظَّم حرماتِ اللهِ ، ولم يترك نفسَه وما تهوى ، ولم يُسلِّم قِيادَه إلى غيرِه يقوُده إلى حيثُ لا يدري .. وانظر كيف آلَ حالُ (الشيخ المجاهد) سياف ، ورباني ، وطارق الهاشمي ، وأتباعِهم .. إنَّها سبيلٌ مَن وضعَ قدمَه في أوَّلِها جرفتْه وهو لا يشعرُ إلى ما كان مِن قبلُ يحذرُه ويتَّقيه ؛ ثمَّّ يقع راضيًا فيه .. احذر يا عبدَ الله قوله تعالى : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) .. وتأمَّل قولَه تعالى : (فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) .. وكلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة .
وهذه آخر الوقفات : وأدعو فيها أهلَ العِلمِ ذوي الكلمةِ المسموعةِ أن يستشعروا الخطرَ ، ويهتمُّوا بالأمرِ ، فإنَّ هذه الأوقات فيها عواملُ كثيرةٌ لما نحذرُ وتحذرون ، ونكرَه وتكرهون : فإنَّ فيها الظلمَ ، والسَّجنَ ، وسفكَ الدماءِ ، وجرأةَ السفهاء ، وقلةَ العلماءِ ، انتشارَ الفتَّانين العملاء ، وظهورَ الأهواءِ ، وتسارُعَ الأحداثِ ، وقلةَ الصادعين بالحقِّ ، وكثرةَ المزيِّنين للباطلِ ، والمتحيِّزين للظالمِ ، فماذا سيصنعُ مَن أحاطَ به هذا كلُّه؟ ولمن سيسمَع؟ اعلموا أنَّكم إن لم تتكلموا بالحقِّ تكلَّم غيرُكم بالباطلِ ، وإن لم يسمع الشبابُ صوتَكم فسيستمعون إلى غيرِكم ، وإن لم يُذهِب غيظَهم حججُ الهدى أذهبَه اتِّباعُ الهوى ، والخطبُ لا يكادُ يثبتُ فيه العالِم العاقلُ إن لم يثبته الله ، فكيف بعامَّةِ الشبابِ؟ فأدعو مشايخَنا وأخصُّ مِنهم أبا يحيى الليبيَّ وصاحبَه عطية الله والشيخَ الظواهري أن لا يكتفوا بتعليقٍ على الحدثِ ، بل يجعلوا لإخوانِهم في غزةَ نصيبًا عظيمًا مِن خُطَبِهم مستقبلاً ، وحظًّا وافرًا مِن توجيهاتِهم تَكرارًا ؛ لبيان حُججِ الشرعِ ، والدلالةِ إلى مسالكِ الحكمةِ وحسن التصرُّف ، وليعلموا بأنَّ لهم قادةً ومشايخ يطَّلعون على أخبارِهم ويعلمون أحوالَهم ويهتمُّون بتوجيههم ، وليشعروا بثقلِ مسؤوليتِهم ، وبأنَّهم طلائعُ الدعوةِ السلفيةِ وليسوا بمعزلٍ عنها .. وإلا فإنَّ في الزوايا مَن سينقلبُ إلى الصَّدْرِ ، وحسبي هذا .
أسألُ اللهَ تعالى أن يتقبَّلَ عبدَه أبا النور وعبدَه أبا عبد الله ، وسائرَ القتلى شهداءَ ، وأن يفكَّ قيد إخواننا الأسرى ، وأن يشفيَ الجرحى ، وأن يحفظ دعوةَ التوحيدِ والسنةِ والجهادِ في غزةَ مِن كيدِ الأعداءِ ، وتربُّصِ الخصوم ، وأن يجعلَ قيادَها بأيدي علمائها على الكتابِ والسنةِ ويقيَها شرَّ تصدُّرِ الجهالِ ، وأن يبصِّرَ إخوانَنا بمسالكِ النصرِ وأسبابِ التمكين .
اللهم اجمع على الحقِّ كلمةَ المسلمين ، واحقن دماءهم ، وقهم الفتن في الأقوال والأعمال . وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه/ عبد العزيز بن شاكر الرافعي .