[b]الوقفةُ الخامسةُ وفيها : أنَّ هذه الجريمةَ كما ذكرتُ ليست كسابقاتِها ، وقد ذكرتُ في تعليقٍ سابقٍ على جريمةِ الصبرةِ بأنَّ حماسَ ستُسقِطُ -بغرورها وصلفها- نفسَها بنفسِها ، وما علينا إلا أن نعينَها على ذلك وندفعَها إليه ، وأن لا نقعَ فيما شأنُه تأخيرُ سقوطِها مِن أعيُنِ المسلمينَ . واليومَ صرنا نرى طوائفَ السلفيين ، والحركاتِ الإسلامية ، وعامة المسلمين ، يتكلمون في سياسةِ حماس ، ويتنبهون إلى إجرامِها بعد أن كانوا يُصمُّون آذانهم عن كلِّ كلمةٍ تقال عنها ، ويتعامون عن رؤيةِ سوءاتِها ثقةً فيها .. وما هذا بتدبيرِنا وحسنِ أفعالِنا ، بل هي سُنَّةُ اللهِ في الظالمِ ، وهو أثرُ الحمقِ والغرور وسكرة السلطة ، وأنتم ترون ضعفَ أصواتِ المرقِّعين لها في أسماعِ المسلمين ، وتلاحظون تغيُّرًا جليًّا في موقفِهم منها .. وما تلاحظونَه أنتم تلاحظُه حماس أيضًا ، وهذا هو سببُ تخبُّطِهم في الكذبِ على غيرِ العادةِ (أعني التخبطَ لا الكذبَ فإنَّه لهم عادةٌ ولهم فيه براعة ، والمرء على دين خليلِه ، وأخلاؤهم معروفون بالكذب) ، وهو سببُ مسارعتِهم في التبريراتِ والتصريحاتِ غيرِ المدروسةِ ، ولم يجدوا حجةً لها عند الناس وجه : إلا إعلان الإمارة .. وغايةُ أثرها على الناس : أن لاموا إخواننا رحمهم الله ، مع إنكارِهم لإجرامِ حماس .. فالواجبُ علينا مع هذا أن لا نقدِّمَ لحماسَ ما تستعينَ به علينا ، وأن لا نشفيَ صدورَنا بكلامٍ تقطفُ به حماسُ رؤوسَ إخوانِنا ، فما أسعدَ حماسَ بظهورِ مَن يكفِّرُ المنتسبين إليها ويدعو إلى قتالِهم! فإنَّ هذا مصدِّقٌ لما ادَّعتْه زورًا على إخوانِنا أبي النور وتنظيم الجند ، وإعلامُ حماس الرسميُّ والمتعاونُ -كالجزيرة- سيضخِّمُ تلك البيانات ، وسيُعرِضُ عن نصِّ أبي النورِ وبياناتِ الجند بعدم تكفير المنتسبين إلى حماس وعدم الدعوة إلى قتالِهم ، وسيُعِدُّ افتراءاتٍ جديدةً (مُحرَّرةً) .
وإنَّ دعوتَنا السلفيةَ الجهاديةَ اليومَ -في غزةَ خاصَّةً- تنتصرُ بالإعلامِ والأقلامِ -بعد طاعةِ الله- ، فتأييدُ المسلمين ووصولُ دعوتِنا إليهم مِن أهمِّ ما ينبغي أن نحرصَ عليه ؛ فقوةُ حماس في سمعتِها التي اكتسبتْها مِن جهادِها وصبرِها ، ثم بدأت تخسرُها بظلمِها وإجرامِها ، وبعضُنا يسعى من حيث لا يدري في إحيائها .
وقوَّتُنا في إيماننا والتزامُنا بشرعِ ربّنا -ومنه الأحكامُ على الناسِ- ، وفي طلبِ أسبابِ التمكين ، ومِن أهمِّها : أن نسعى لإزالةِ ما علِقَ في أذهانِ الناسِ من أكاذيبَ شوَّهَتْ تصوَّرَهم لدعوتِنا السلفيةِ ، وهذا بإظهارِ ذلِّنا لأهلِ الإيمانِ ، وصبرِنا على الأذى ، وحديثنا إياهم بما يعرفون ، وإعراضنِا عَن فعلِ ما يُكذِّبونَ نسبتَه إلى دينِ الله ما وسعنا ذلك شرعًَا ، وأن نتجنَّبَ تصديرَ غيرِ العلماءِ ، والاستقلالَ بالآراءِ ، وردود الأفعالِ التي دافعُها التشفي وإذهابُ الغيظِ .. فإنَّ هذا ما يريدُه القوم ويسعون إليه .
وأعظمُ ما يضادُّ إيصال دعوتِنا إلى الناسِ -بعدَ أن اقتربَت مِنهم- ، ويسترُ عن أعينِهم سوءاتِ حماس ، ويعينُ المجرمينَ على أن يئدوا دعوتَنا ويستأصلوا إخواننا ، ما يعملُه بعضُنا -غيظًا أو جرأةً على الدين لا فيه- مما سلَف إنكارُه ، من الأحكامِ والتصريحاتِ والأفعالِ .
وأمثلُ ما نفعلُ : أن لا نعطيَ القومَ فرصةً لتبريرِ إجرامِهم ، وأن ننشطَ –بحمَلاتٍ منظَّمةٍ على الشبكةِ وفي غزة وفي مجالسِ أهلِ العِلمِ وسائر وسائل الإعلام- لتوثيقِ الأحداثِ وبيان الحقائقِ ، لزيادةِ جلاءِ الأمرِ ، ولإيصالِ الحقيقةِ إلى المسلمين داخل غزة وخارجَها ، فاليومَ يومُ جندِ الإعلامِ ، كونوا مِنهم ، أو لا تكونوا مع حماس ضِدَّهم!
وأقترحُ أن ينظِّمَ مركزُ اليقين -أو أي منبر إعلاميٍّ عُرِفَ بالإتقانِ- حملةً إعلاميةً ، يقدِّمُ فيها تقاريرَ عن ما حصلَ ، تحتوي على التسجيلاتِ المرئية والمسموعةِ ، وتفريغِها النصيِّ ، وبياناتِ حماس ، وما يكذِّبُها من تصريحاتِ الشيخِ وبياناتِ الجُندِ ومن الوثائق الصوتية المذكورةِ ، بحيث تقدَّمُ هذه التقارير بأسلوبٍ متقنٍ ، وبعرضٍ للحقائقِ مجردٍ عن الأحكامِ ؛ لئلا تؤثِّرَ في نفسِ القارئِ ، ويَحسنُ أن تُعَدَّ تقارير فيها حكايةٌ للأمرِ منذ مراحلِه السابقةِ ، بذكرِ ما حصلَ في الصبرةِ وأخواتِها ، لبيانِ حقيقةِ مراحلِ حربِ حماس للسلفيةِ وإجرامِها وافترائها عليهم بالوثائقِ والبيِّناتِ . [وإنَّ المكالمةَ التي سجلَها أحدُ الإخوةِ مع أحدِ المجاهدين المحاصَرين وهو يذكِّرُ جنودَ حماس بالله ، ويَذْكُرُ أنه وإخوانَه يصلون خلفَهم ، ولا يكفِّرُونهم ، وأنَّ المجاهدين يتجنَّبُون ما لا تريده حماس مما يُشرَع فعلُه ويجوز تركه دفعًا للمفاسد ، وأنَّهم إنما يريدون الدعوةَ إلى الله ونبذ الشرك ، وقتال اليهود ، وغير ذلك مما لا تشوبه شائبة .. إنَّ هذا لأشدُّ وقعًا على قادةِ حماس مِن قنابلِ اليهودِ ؛ لكرهِهم لانتشارِه وهدمِه صروحًا من الأكاذيب بنوها ، ولهو أشدُّ وقعًا على المخلصين المخدوعين منهم مِن قنابلِ اليهودِ ؛ لمعرفتِهم به أنَّهم قاتلوا إخوانَهم المجاهدين ظلمًا وعدوانًا ونصرةً لحزبٍ لا لله ، ورِفعةً لكراسي قادتِهم لا لشرعِ الله .
وإنَّ تلك الكلمات لتقدِّمُ دعوتَنا إلى الأمامِ بما يزيد عن تأخيرِ أكاذيب حماس لها ، فأسأل الله أن يتقبل ذلك المجاهدَ ويغفر له ، ويفكَّ أسرَه إن كان أسيرًا ، وأن يجعل مَن بقيَ بعدَ تلك العصابةِ المؤمنةِ يقتدون بها في إنصافِها والتزامِها بشرعِ ربِّها ، ولا ينقادون لدعواتٍ تسرُّ العِدا وتضرُّ الأولياء وتؤَخِّرُ الدعوةَ وتفرِّقُ الصفَّ ، وأشيرُ هنا : إلى أنَّ أولئك –خلافًا لضرر دعواتهم- قد خذلوا إخوانَهم ووقفوا عثرةً في طريقِ الوحدةِ مِرارًا لأعذار واهية ، والعارفُ عارفٌ ، وحسبي الإشارة! ] .
ولستُ فيما أنكرتُ آخذًا جانبَ حماس أو خاذلاً لإخواني ؛ فصديقُك مَن صَدَقك لا مَن صدَّقك ، ومخالفةُ هوى الصاحبِ لمصلحتِه مِن صدقِ صُحبتِه ، والنصحُ للإخوةِ حقٌّ فرضَه اللهُ تعالى ، ودعوتُنا أمانةٌ في أعناقِنا جميعًا ، ومِن العارِ تركُها لمَن يقضي عليها بعداوتِه أو سوءِ تصرُّفِه .